دراسات إسلامية

 

الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي أحد رواد المنهج التدريسي

الجديد للغة العربية في الهند

 

 

إعداد : الطالب: نبيل أحمد حافظ مرزا

جامعة جواهر لال نهرو – دهلي الجديدة

  

 

  

 

 

مولده ونشأته :

       وُلِد الشيخُ وحيد الزمان الكيرانوي في عام 1930م في أسرة علمية ودينية توجد بها سلسلةٌ من العلماء. فكانت جدته نجلة العالم المعروف مولانا عبد المجيد الجهنجهانوي وحفيدة مولانا قطب الدين صاحب مظاهر الحق من ناحية الأم؛ أما والده مولانا مسيح الزمان الكيرانوي فكان عالماً معروفاً ببلدته كيرانه، متميزًا بعلو كعبه في مجال العلوم الدينية، وتمسكه الشديد بأصول الشريعة الإسلامية في أعمال حياته اليومية وكان حريصًا على أن يرى هذه الدرجة من الانضباط الديني والدنيوي في حياة أبنائه وبناته ، ونجد أن الشيخ وحيد الزمان بصفته الابن الأكبر لوالده كان قد تأثر بقدر أكبر من غيره من أخت وإخوة بوالده .

       كان الشيخ مسيح الزمان خريج دارالعلوم بديوبند، وكان من تلاميذ العلامة أنور شاه الكشميري والعلامة شبير أحمد العثماني. وبعد التخرج من دارالعلوم اشتغل داعيًا لفترة وجيزة لدى جمعية >حماية الإسلام< في مدينة أمرتسر، ثم انتقل إلى مسقط رأسه >كيرانه< بعد وفاة أبيه، وأقام بها بصفة دائمة وركز عنايته على تحسين إدارة شؤون المسجد الجامع والمدرسة الدينية التابعة له إلى جانب العناية بشؤون عدد من مساجد أخرى بالبلدة، إضافة إلى خوضه في كفاح التحرير، فكان له دور بارز في محاربة الإنجليز، وكان الشيخ مسيح الزمان من بين الزعماء المناضلين الذين اعتقلهم الإنجليز وزجوا بهم في السجون، ولم يفرج عنه إلا بعد أن قضى فترة من الزمن في السجن .

       وقبل أن يتخرج من جامعة ديوبند تزوج الشيخ الكيرانوي من فخر النساء البنت الصغرى للسيد انتظام أحمد بن حافظ حبيب أحمد الصديقي الذي كان ينتمي إلى الشيوخ بمدينة كاندهله، بمديرية مظفرنغر بولاية أترابراديش، وعلى أية حال فإن أسرة الشيخ وحيد الزمان أنجبت عددًا ملحوظاً من العلماء، ومن أعضاء هذه الأسرة من حصلوا على الشهادات الجامعية، ويعملون في الدوائر الحكومية، وكان الشيخ دائماً يشكر الله على ذلك، ويذكر والده ودوره الكبير في تربيته العلمية والدينية، وكذلك كان من أقاربه من تركوا آثارًا علمية خالدة، وعلى رأسهم الشيخ قطب الدين صاحب مظاهر الحق .

دراسته :

       بدأ الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي دراسته الابتدائية في بلدة كيرانه التي أنجبت عددًا لا بأس به من شخصيات بارزة لها دور كبير في معركة الدفاع عن الإسلام وفي مجال العلم والدعوة، فعندما كان في الصف العربي الابتدائي جاء خاله من مدينة حيدر آباد حيث كان يقيم فيها منذ عدة سنوات ويشتغل بالتدريس، فأخذه معه إلى مدينة حيدر آباد بهدف تربيته في جو علمي تميزت به المدينة آنذاك، فاغتنم الشيخ الكيرانوي فرصة إقامته هناك لتحسين لغته العربية إلى جانب تعلمه الإنجليزيه، والتقى بالعلامة مأمون الدمشقي الذي كان مقيماً في حي نامبلي. فأصبح يتردد عليه بانتظام للاستفادة منه خاصة فيما يتعلق بإجادة اللغة العربية والتعبير فيها نطقًا وكتابة.

       ولعب نزوله بمدينة حيدر آباد خلال الفترة من عام 1946-1948م دورًا فعالاً في حياته العلمية، إذ لم يتعرف هناك على اللغة العربية فحسب بل ثار في قلبه الشفاف ولع شديد للأدب العربي الحديث. وقد استفاد الشيخ وحيد الزمان من التسهيلات المتواجده في تلك المدينة، وبدأ سلسلة التدريس التي لم يحب الانقطاع عنها طول حياته، وعزم على اتخاذ مجال التعليم كمهنة لحياته، وكان من سعادته أنه تلمذ على العالم السوري العلامة مأمون الدمشقي ، الأمر الذي أحدث في حياته ثورة كبرى تأثر بها أقرانه المولَعون بالعلم والأدب، وهكذا وقف الشيخ الكيرانوي جل حياته في خدمة العلم والدين .

       واصل الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي الإجتهاد والمثابرة بكل جد وطموح، وبدأ الإرتياد إلى المكتبة الآصفية كل يوم، ينغمس في المطالعة ويقرأ فيها المجلات والصحف العربية، وبعد فترة قصيرة من الزمن تعرف على اللغة العربية إلى حد ما وأصبحت له كلغة حية سهلة في الفهم والنطق. وبمرور الزمن ازدادت رغبته في تعلم اللغة إلى حد أنه بدا يقرأ فقرة متعلقة بالأنباء مرارًا وتكرارًا. فما كان يعتني بما تحتوي عليه الأنباء من المفاهيم والمطالب، بل ينظر إليها من ناحية التعبير والأساليب التي يستخدمها العرب أنفسهم لأنهم أهل اللغة. ويسجل في دفتره معاني الألفاظ ومحل استخدامها بوجه خاص، ويكتب الشيخ الكيرانوي عن ذلك العصر بنفسه :

       >لم أدرس على العلامة مأمون الدمشقي أي كتاب أو درس معين متواجد في المقررات الدراسية آنذاك، بل أرشدني حسب موهبتي إلى الاستفادة من كتاب أدبي ألفه أديب عربي، وبدا يدرسني هذا الكتاب الذي انتهيت منه في سنتين، وكان منهجه التدريسي أن ممارسة صفحة واحدة تستغرق أياماً عديدة، بينما أقوم بحل الكلمات والعبارات الصعبة بعون القواميس مسبّقًا، وذلك لأن الأستاذ الدمشقي كان يعلمني أشياء كثيرة في درس واحد بخصوص كيفية استخدام الأساليب الجديدة المستمدة من التراكيب النحوية والصرفية وممارسة التعابير العديدة في المحادثات مع أن هذه الطريقة للتدريس تستهلك وقتاً كثيرًا، وهكذا تحقق مطالب قراءة الكتاب وفهمه، وأحاول أن أقضي لديه معظم الأوقات ؛ لأنه لم يكن يتحدث إلا بالعربية الفصحى للغاية، ولم يكن يتكلم معه بالأردية رغم إلمامه بها. فهكذا تواصلت الجهود الجدية للعامين، والتي ما زادت من موهبتي فحسب بل أثارت الرغبة في إجادة العربية للأيام المقبلة<.

       وعلى هذا النحو قضى الشيخ الكيرانوي سنتين في مدينة حيدر آباد. وفي عام 1947م تحررت الهند من براثن الاستعمار البريطاني، وانقسمت إلى جزئين عقب استقلالها حيث تأثرت ولاية حيدر آباد من هذا الحادث الكبير الذي لا ينساه تاريخها أبدًا، وتغير مجرى حياة الجماهير تمامًا عما كانت تجري عليه في السابق، وانتشر الفوضى في كل مكان وزقاق، فنظرًا لهذه الاضطرابات في المدينة اضطُر الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي إلى مغادرتها والعودة إلى وطنه العزيز في أسرع وقت ممكن، وهكذا يمكن القول إن زمن إقامته بحيدر آباد لسنتين هو العهد الذي منح لحياته العلمية جهة جديدة ميّزته عن الآخرين في مجال العربية .

       والجدير بالذكر أن عاطفته الدراسية لم تتجمد بعد العودة من حيدر آباد، فللحصول على ما يموج في قلبه من الرغبة في العلم عزم على مغادرة بيته إلى مدرسة دارالعلوم بديوبند. وفي عام 1948م إلتحق بالمدرسة. وبما أن الشيخ كان قد تعلم اللغة العربية خلال إقامته بحيدر آباد، فقد بدأ يبذل قصارى جهده بعد وصوله إلى ديوبند ، حتى أصبح أحد الطلاب البارزين في دارالعلوم بديوبند. كانت دارالعلوم تفتقد دارالعلوم بديوبند بيئة التحدث بالعربية آنذاك ؛ فلم يكن الطلبة ولا الأساتذة متوفرين على اللغة إلا قليل منهم، وذلك بسبب انصرافهم إلى كتب الفقه والحديث والتفسير وعلوم الشريعة وما إلى ذلك .

       ويمكننا أن نقدر مكانته السامية أثناء دراستــه في المــدرسة حيث كان مسؤولاً لمراسلاتها العــربيــة، ومتــرجماً للوفود العرب إليها. فقــد بلغ الشيخ الكيرانوي ذروة الكمال لما كان يتمتــع به من الطلاقة التامة في التحدث باللغة العربية بسبب المخارج الواضحة للعربية ولهجته السليمة التي تُعتبر من ميزات الأدباء والعلماء العرب .

       أحس الشيخ الكيرانوي بالنقص العام الموجود في المحادثة بين الطلبة خلال دراسته في ديوبند وحاول إزالته بشكل كامل، ففي السنة الأولى ألقى خطبة بالعربية قوبلت بالاستحسان من قبل أصحاب دارالعلوم. وبعد ذلك أصدر مجلة حائطية مشتملة على الكلمات المستخدمة بين العرب، وسمى هذه السلسلة بسلسلة الدروس العربية، علاوة عن ممارسة العربية الحديثة والمتداولة بين أهل اللغة ولفت أنظار الطلاب الآخرين إلى هذا الجانب وشجعهم كثيرًا على تعلم الألفاظ الحديثة، وذلك لتعميم اللغة العربية بين الطلاب وخلق الرغبة لتعلمها بينهم، الأمر الذي جعله يحرص كل الحرص على الاهتمام بتدريس الطلاب الراغبين لذلك بمنتهى الإخلاص والأمانة في الأوقات الخالية. يقول الأستاذ باقر حسين البستوي:

       >لاشك بأن الأستاذ الكيرانوي هو أول من حاول تقريب طلاب دارالعلوم من اللغة العربية وأحس بحاجة إلى إنقاذ الطلاب من ظلام الجهالة عن اللغة العربية، وقام بأعمال أساسية تجاه تقريبهم من الأدب العربي الحديث، وذلك أوضح رمز لأعلى بصيرته وأسمى فطانته . فأسفرت محاولته هذه عن خلق حوالي ثمانين طالباً يتقدم بعضهم بخدماتهم حتى اليوم كمدرسين في كل من دارالعلوم ودارالعلوم وقف، وإذا ألقينا النظر على وضع اللغة العربية بالمدرسة فوصلنا إلى هذه النتيجة أن كتابة المقالات بالعربية نشأت على يد الأستاذ الكيرانوي وأصبحت كقسم مستقل فيما بعد، حتى انتشر كتاب دارالعلوم في شرق شبه القارة وغربها، ويقوم اليوم آلاف من متخرجي هذا القسم بخدماتهم المباركة للعربية في مختلف أنحاء العالم<.

العوامل الرئيسة البارزة التي تجلت بها شخصية الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي هي فيما يلي:

      1- الأسرة العلمية: نشأ الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي من أسرة علمية ودينية، ووجد منذ طفولته جماعة العلماء تلتف حول والده وتنهل من منبعه العلمي، فكان بيته مهدًا للعلوم الدينية منذ زمن قديم. واشتهرت خمس شخصيات من أسلافه في علوم الدين بالتواصل، وكان بنفسه حاد الذكاء، وقوي الحافظة، قام بتربيته والده الكريم على درب الأسلاف، والذي أرشده إلى الحصول على معرفة الدين، فترتبت الشمائل المحمدية والأخلاق الفاضلة في نفسه منذ طفولته . ومن ثمة تكونت شخصيته وعقليته في جو العلم والدين فاتقدت قريحته وانجلت عبقريته، وهذا ما جعله أحدًا من الطلاب البارزين من أوائل دراسته .

      2- الجهد : كان من خصائصه الطبيعية أنه كان مثابرًا للغاية، فلم يقض أوقاته أبدًا بدون أي شغل مهم، وكان يقلقه عدم الاشتغال، والحياة بدون الفعاليات. فبعد التفرغ من مهمة التدريس اليومية كان يختص لقاؤه بالأساتذة والطلبة، وخاصة بعد صلاة العصر، ومع أن هذا الوقت يُعتَبر بوجه عام وقت فراغ لأغلبية الأساتذة في المدارس الدينية بالهند، إلا أن الشيخ وحيد الزمان الكيرانوي لم يكن يأخذ راحة في هذا الوقت أيضًا، فكان يدرّس فيها الطلبة بجد وحنان، وكذلك كانت ارتباطاته بين صلاتي المغرب والعشاء والأوقات الأخرى، وهكذا ظل بابه مفتوحًا لمن أراد تعلم اللغة العربية أو الاستفادة منه في مجالات علمية أخرى، مما جعل الطلبة حريصين على أن يشرفهم الشيخ بإصلاح مقالاتهم .

       وكان الشيخ الكيرانوي لايحب الاستراحة في أوقات الإجازة الأسبوعية الكائنة يوم الجمعة، فقد كان ينتهز هذ الفرصة لتربية الطلبة نطقًا وكتابة، فكان يعقد برامج >النادي الأدبي< في فصول دارالعلوم بديوبند لممارسة الخطابة والكتابة في اللغة العربية. وفي نهاية البرامج كان يقدم الطلبة المسؤولون عن تنظيم البرامج تقارير الحفلات إلى حضرة الشيخ الكيرانوي، الذي كان يشرفهم بتوجيهاته القيّمة حسب مقتضى الحال بدون أن يبدو على وجهه إرهاق.

      3- الإخلاص والمروءة : ارتسم الشيخ الكيرانوي بصفات الإخلاص والمروءة، والحب والتلطف، فكل من كتب إليه رسالة تلقى رده الإيجابي ولمس الحب والحنان من طرفه، ولم يكن يضمنّ بما عنده من العلم والفضل على تلامذته، بل عمّت بركاته وغطت كل من لقي به، فظل واقفًا إلى الطلبة والأساتذة والرفقاء والزملاء، والباحثين الوافدين من الجماعات الهندية المختلفة، لا يميز بين قريب وبعيد، مؤمنًا بأن جميع المؤمنين إخوة، وحريصًا على ابتغاء رضوان الله دومًا، ويساعد الطلبة المعوزين ماليًا. والجدير بالذكر أنه في أثناء خدمته لمجلة >الكفاح< كرئيس التحرير، كان يصر على عدم استلام الراتب حينما كانت الحاجة تمسه إلى الانشغال في أمور أخرى دون التحرير أو بسبب عدم تمكنه من العكوف على إصدار المجلة.

      4- التعليم والتربية :  لقد نال الشيخ الكيرانوي شهرة فائقة في الأوساط العلمية وذاع صيته في الآفاق بسبب منهجه للتعليم والتربية بخصوص اللغة العربية وآدابها، فقد كان غير مقتنع بمناهج التعليم السائد آنذاك، علمًا بأن المناهج الدراسية المسماة بـ>درس نظامي< كانت قد أصبحت مملة وطريقة غير مفيدة للتدريس، فكان الأساتذة يبحثون لفظاً واحدًا ويبينون جميع المعاني المتواجدة في القاموس ولا يجد الطلبة إلا الملل والحرمان، فكانت المقررات الدراسية ضخمة تنتهي بدون أن يقدر الطلبة على التكلم أو الكتابة باللغة العربية، وتذهب جهود الطلبة والأساتذة المضنية أدراج الرياح وبدون فائدة تُذكَر، فحاول الشيخ في ذلك الوضع تغيير المنهج السائد آنذاك. وتبنى أسلوبًا بسيطاً للتدريس يبين المعنى الأصلي للفظ الوارد في الدرس ؛ لكي يتسنى للطالب فهمه وحفظه بسهولة واستخدامه في مكانه المطلوب، وإذا وجد ذلك اللفظ مستخدمًا في معنى آخر بمكان آخر، كان يبينه في ذلك المكان.

       وكان من خصائصه التدريسية أنه لم يعتمد كليًا على الكتب الدراسية المقررة بل حاول أن يفهم الطلبة العبارات باللغة العربية لكي يقدروا على النطق والمحادثة والكتابة بها، ولتحقيق هذا الهدف المنشود أسس النادي الأدبي المشتمل على قسم المحادثة وقسم الكتابة .

       والجدير بالذكر أن الشيخ الكيرانوي اختار اللغة العربية الحية كوسيلة التدريس يفسر الألفاظ باللغة العربية ويطلب من الطلبة باستخدام اللغة العربية للاستفسار والتكلم في الفصول، ولم يسمح لأحد بالتكلم باللغة الأردية .

       ولم يكتف الشيخ الكيرانوي بالمقررات الدراسية بل كان يدرّس اللغة العربية عن طريق مقتطفات الصحف، ويحاول دومًا أن يقوم الطلاب بقراءة العبارة بأنفسهم ويفهموها، ويشرحوها، ويشدد على إصلاح الأخطاء النحوية والصرفية، والنطق الصحيح، ويحثّ الطلبة على أن يتحدثوا بلهجة عربية خالصة، وبالإضافة إلى النشاطات الكتابية الدائرة من قبل النادي الأدبي يوجّه الطلبة إلى أن يكتبوا المقالات تحت إشرافه وأمام عينيه حول موضوعات مختلفة .

       إن المنهج الدراسي الذي تبناه الشيخ الكيرانوي كان مفيدًا إلى حد أن الطلبة أصبح بمقدرتهم الاستفادةُ من الكتب العربية والتعبير عما يدور في خواطرهم، مما أعطى مؤشرًا إلى نجاحه في خلق أوساط علمية واسعة لتلامذته الذين خدموا اللغة العربية ولا يزالون يخدمونها بمنتهى الأمانة والإخلاص. ويمكن القول إن منهجه كان رائدًا لمنهج تدريسي جديد .

       لقد اهتم الشيخ الكيرانوي بتربية الطلبة مع الاعتناء بتدريسهم، ويصعب أن نقول : إنّه كان يعطي الأولوية للتدريس أو للتربية . فكان عنده التربية جزءًا لايتجزأ من التدريس ، فهو بنفسه يوقر الأساتــذة ويــرحم التــلامذة ، لم يكن يخاطب الطلبة بطريقة تسيء إلى كرامتهم ، وإذا وجد أي طالب لا يهتم بآداب الحياة الإسلامية أدّبه تأديبًا بطريقة تشجّعه على أن يسلك مسلك الأبرار والصالحين، ويلقي أحيانًا كلمات وجيزة مؤثرة رامية إلى إصلاح ذلك الطالب تترك تأثيرًا أكثر من درس خاص بالأخلاق والآداب الإسلامية .

       كان الشيخ الكيرانوي طموحًا إلى محو مركب النقص والإحباط من نفوس الطلبة وخلق الثقة بالنفس فيهم ، لمواجهة الصعوبات وتجاوز العراقيل مهما كانت نوعيتها. ولغرض تربية الطلبة كان يشير الشيخ الكيرانوي إلى سمات بارزة للثقافة الإسلامية ، فيركز على أهمية الطهارة والنظافة وطهارة الجسم واللباس، وطهارة الفكر والبيان، ويشدّد على حسن السلوك والمعاملة، والالتزام بآداب المجلس وحسن الاستماع والمحادثة.

       هذه هي الصفات التي جعلت الشيخ الكيرانوي أستاذًا مثاليًّا كبيرًا قلّما يوجد نظيره ، فقد ذاع صيته في داخل البلاد وخارجها، وظل سائدًا لأكثر من ثلاثة عقود على أفق دارالعلوم بديوبند بصورة السحاب الممطر.

*  *  *

*  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . ربيع الثاني 1428هـ = مايو  2007م ، العـدد : 4  ، السنـة : 31.